لا أحد ينكر أن النجومية تصنع من صاحبها شخصا مخالفا وتفتح أمامه عديد الأبواب ويحقق من خلالها لا الانتشار فقط، بل أيضا يؤمن من خلالها وضعه الاجتماعي والعائلي لكن ليس بمقدور الجميع تحقيق ذلك خاصة عندما يتعلق بالأمر بالرياضىة، وكرة القدم خاصة باعتبارها اللعبة الشعبية التي يطلق عليها «أفيون الشعوب».. حيث لدينا حالات عديدة اشتهرت وذاع صيتها بعد أن لعبت في أكبر الأندية التونسية وأسعدت الملايين لكنها تعيش اليوم ظروفا صعبة..
مصاعب صحية واجتماعية
كما أن المتأمل في بعض الوضعيات لاعبون يعانون المرض وغير قادرين على العلاج وآخرون في بطالة والبعض الآخر فشلت مشاريعه ولو أن جل اللاعبين إن لم نقل كلهم تتمثل مشاريعهم في بعث مقاه ومطاعم ولم نسمع عن مشاريع اقتصادية كبرى تساعد على التشغيل وغير ذلك لكل ذلك عندما نتحدث عن وضعية العيادي الحمروني، الجوهرة السوداء الذي أقام الدنيا وشغل الناس بلوحاته الفنية وعبد القادر بلحسن جلاد الحراس والمهاجم القوي وبشير السحباني الظهير الذي لا يكل ولا يمل على الجهة اليمنى للملعب نفهم جيدا أن الشهرة سلاح ذو حدين ومن لم ينجح في استغلالها يكون مآله الانتكاس عندما تخفت هذه النجومية بمجرد مغادرته الملعب
تحدثنا عن الثلاثي الحمروني عبد القادر بلحسن والسحباني لأنهم لعبوا في الترجي وكل منهم كانت له الجرأة ليخرج ويتحدث عمن أضر به وحرمه من حقوقه ونعني بذلك المسؤولين الذين انتدبوهم وحقق كل منهم نتائج هامة لكنه لم يحصل على المقابل الذي يتماشى وحجم عطائه بل منهم من لم ينل شيئا علما وأن الحمروني دون عمل قار وعبد القادر بلحسن يدرب أحيانا في الأقسام السفلى وأغلب فترات العام في بطالة تماما مثل بشير السحباني الذي اضطر للعمل في «المرمة» حتى يوفر قوت عائلته
البعض استغل الفرصة وآخرون «فاتهم القطار»!
وإذا كان عديد اللاعبين المعروفين قد أنقذوا الموقف مبكرا لأنهم يدركون أن عمر اللاعب «قصير على الميدان»، وأن كرة القدم المبنية على الشهرة لكن كلها جحود ونكران وليست مصدر رزق قار فاقتنوا مساكن وعقارات توفر لهم مداخيل هامة.. أو منهم من دخل عالم التدريب من أوسع أبوابه وكذلك من التحقوا بالتحليل الرياضي في القنوات التلفزية محليا وخارجيا فإن نجوما أخرى ساءت أحوالها إلى درجة أن البعض لم يعد قادرا على قبول الوضع على غرار فاروق الطرابلسي الذي هدّد منذ عامين بالانتحار لأنه أصبح عاجزا عن إعالة أسرته وتوفير مصروفه اليومي بسبب البطالة
ومن يقول فاروق الطرابلسي يتذكر كيف كان أغلى صفقة عرفتها البطولة زمن رئاسة عثمان جنيح للنجم الساحلي.. والتي بلغت آنذاك ما يفوق 450 ألف دينار مقابل استقدام الطرابلسي من الرالوي، هذا الساحر الذي أمتع جماهير النجم، ثم تحول إلى النادي الافريقي ، لعب في صفوف فريقين من اكبر الأندية في تونس لكنه اعتزل ولم يؤمن وضعه
وبينما ظلم بعض اللاعبين الذين أعطوا دون أن يأخذوا شيئا على غرار الحمروني وعبد القادر بلحسن وبشير السحباني رغم أنهم لعبوا في الترجي زمن رئاسة سليم شيبوب للنادي، حيث تحدث ثلاثتهم في تصريحات تلفزية أنهم لم يكونوا قادرين على الحصول على حقوقهم أو المطالبة بها منه.. فإن البعض الآخر لم يحسن استغلال الفرصة، وهناك من لم يقرأ حسابا للمستقبل أو غرته الشهرة وألهته عن التفكير في مستقبله وعن تأمين مصيره ما بعد كرة القدم والامثلة عديدة، لكننا لن نذكر الأسماء حتى لا نزيدهم ندما على ندم
سمير روان و اخرون
وما دمنا تحدثنا عن النجم الساحلي نتذكر جيدا المهاجم سمير روان، جلاد الحراس (والذي لا نعرف اليوم إن كان يواصل الاقامة في سوسة أم عاد إلى مسقط رأسه قابس) هذا اللاعب رغم ما حققه من نجومية فإنه لم يغنم شيئا من الكرة.. ولا أيضا أحسن استغلال مسيرته والشهرة التي حققها في المقابل فإن آخرين لم يغنموا شيئا من مسيرتهم كلاعبين ولكنهم عندما كانوا يصولون ويجولون ساعدوا عائلاتهم، إذ من أعال أسرته ومن صرف عليها كل ما جعله، لكن تنكر لهم الحظ ولم يجدوا الوقت الكافي لاعادة البناء وانقاذ ما يمكن انقاذه، وهناك أيضا من تعرض لإصابة لعينة أنهت مسيرته على غرار الأمير حاج مسعود الذي يعيل أربعة أطفال ورغم أنه لعب في صفوف النادي الصفاقسي وحصل معه على الالقاب، ولعب أيضا أواخر مسيرته مع النادي الافريقي لكنه في النهاية لم يستطع أن يؤمن المستقبل لأن ما كان يحصل عليه قليل، وأحيانا حتى القليل لا يقبضه وخاصة عندما كان في النادي الصفاقسي وقد كشف ذلك في أحد البرامج التلفزية (وقد تم التدخل لفائدته وسيلتحق بمدرب تونسي في السعودية للعمل معه)
وإذا كان العديد من هذه النجوم يعوزهم المستوى التعليمي رغم أنهم من افضل المواهب على الميدان، فإن عدم مواصلتهم لدراستهم قد يكون أثر عليهم في التعامل مع النجومية وعلى حسن التصرف في مسيرتهم الكروية لكن من المفارقات أن نجد لاعبا متحصلا على شهادة عليا في القانون، ولعب في صفوف النادي الافريقي (وترشح للانتخابات التشريعية في 2011) لكنه إلى اليوم عاطل عن العمل رغم أنه رب أسرة تضم ثلاثة أطفال، ونعني بذلك ياسين بوشعالة، والذي حتى زوجته من صاحبات الشهائد العليا وعاطلة عن العمل وبلغ به الأمر للعب في الأقسام السفلى بأجر زهيد.. اضافة إلى المهاجم الدولي السابق جمال الزابي الذي لعب في النادي البنزرتي ثم في النجم الساحلي وانتمى للمنتخب الوطني رغم أنه قادم من جريدة توزر ولعب نهائيات كأس افريقيا للأمم 1998 مع هنري ميشال.. وهذا اللاعب يمر بظروف صعبة للغاية حاليا في توزر دون مصدر رزق قار وكذلك بلقاسم طونيش الذي يتذكر الجميع كيف أتى من قبلي للملعب التونسي وتألق ثم انتقل إلى النجم الساحلي وانتمى للمنتخب الوطني، وهو اليوم يعيش في سوسة لكن دون عمل
الحالات التي نتحدث عنها عديدة ومنها من هم «مرميون» في المستشفيات غير قادرين على العلاج ولكن في نهاية المطاف لا بد من التأكيد على أن النجومية يصعب على أي كان التعامل معها.. خاصة عندما يتعلق الأمر بلاعبين غادروا مقاعد الدراسة مبكرا، إلا أنه في كل الأحوال لا بد من لفتة لهؤلاء… وعلى الأندية التي انتموا إليها (ونعني خاصة الفرق الكبرى) أن تنتبه إليهم وتساهم في إعادة ادماجههم