الجامعة التونسية لكرة القدم : هل تخلّت عن دورها الحقيقي في التكوين ؟

في السنوات الأخيرة، لاحظنا توجهًا من الجامعة التونسية لكرة القدم نحو الاعتماد على اللاعبين التونسيين المتكونين في أوروبا، خاصة في المنتخبات الشابة مثل منتخب أقل من 17 سنة وأقل من 20 سنة. في كل تربص، وفي كل قائمة، نجد الغالبية من مزدوجي الجنسية وكأن منظومة التكوين المحلي لم تعد تُنتج.

هذا الواقع يطرح عدة تساؤلات حول استراتيجية الجامعة ورؤيتها لمستقبل الكرة التونسية. هل أصبحنا نبحث فقط عن الحلول السهلة ؟ وهل تخلّت الجامعة عن مسؤوليتها الأساسية في بناء منظومة تكوين وطنية حقيقية؟

  1. الجامعة تهرب من التكوين وتبحث عن الطريق السهل

من الواضح أن الجامعة اختارت الحلّ الأسرع: استدعاء لاعبين جاهزين بدنيًا وتكتيكيًا من مدارس أوروبية متقدمة، بدل الاستثمار في التكوين المحلي. صحيح أن بعض هؤلاء اللاعبين يمثلون مكسبًا حقيقيًا للمنتخب، لكن الإشكال أن هذا التوجه تحوّل إلى سياسة ممنهجة تُغني عن التفكير في التكوين. لم نعد نرى مشاريع فعلية لتحسين الملاعب، أو لتكوين الإطارات الفنية، أو لدعم الأندية في الجهات… وكأن دور الجامعة أصبح أقرب إلى “وكالة انتدابات” تبحث في أوروبا عن منقذين، بدل بناء قاعدة صلبة من اللاعبين داخل البلاد.

  1. الأندية غائبة والنتائج واضحة

الأندية التونسية كذلك تتحمّل جزءًا من المسؤولية. كثير منها ينظر لفرق الشبان على أنها عبء مالي لا يُدرّ ربحًا، فتُهمّشها أو تفرّط فيها بسرعة. والنتيجة: غياب شبه تام للمواهب المحلية في المنتخبات الوطنية، خصوصًا في الفئات السنية. لا وجود لاستثمار حقيقي في الأكاديميات، ولا خطط واضحة لإدماج الشبان في الأكابر. في المقابل، نجد أن الفرق الأوروبية تخلق مواهب وتبيعها بمبالغ ضخمة، ونحن نكتفي باستدعاء هذه المواهب بعد أن “تكوّنت” في بيئات أخرى.

  1. منتخبات الشبان: التكوين قبل التتويج

المنتخبات الوطنية للفئات العمرية ليست مجرد فرق تبحث عن نتائج آنية أو تتويجات سريعة، بل هي مختبر لصناعة الجيل القادم من المنتخب الأول. دورها الأساسي هو صقل المواهب وتطويرها، خاصة تلك المتكوّنة محليًا، حتى تصبح جاهزة للمرحلة الأعلى. لما نُقصي أبناء الداخل لصالح لاعبين تكونوا في الخارج، نخسر هذه الوظيفة الحيوية، ونُضعف حلقة أساسية في سلسلة التكوين.

  1. مزدوجو الجنسية: قيمة تُثري المنتخب لا تعوّضه

من الضروري التأكيد على نقطة مهمة: نحن لا نشكك في حب الانتماء لدى اللاعبين مزدوجي الجنسية. العكس هو الصحيح. كثير من هؤلاء اللاعبين يختارون اللعب لتونس بدافع صادق، رغم أنهم يملكون فرصًا في منتخبات أقوى. وجودهم في المنتخب يُعتبر مكسبًا فنيًا ومعنويًا. لكن المشكل يبدأ عندما يتحول اعتمادنا عليهم إلى قاعدة، في غياب أي توازن مع التكوين المحلي. المنتخب الوطني يجب أن يبنى على قاعدة متينة من اللاعبين المحليين، وتُدعّم هذه القاعدة بلاعبين ممتازين من الخارج – لا أن تكون القاعدة نفسها مستوردة.

خلاصة:

الجامعة التونسية مطالبة اليوم بمراجعة خياراتها. الاعتماد على اللاعبين المتكونين في أوروبا لا يجب أن يكون بديلاً عن التكوين المحلي، بل مكمّلاً له. نحن نحتاج إلى مشروع وطني حقيقي لتكوين اللاعبين، ينطلق من المدارس، يمر عبر الأكاديميات والأندية، ويصل إلى المنتخبات. من دون هذا المشروع، سنبقى رهينة للحلول السهلة، ونفقد شيئًا فشيئًا هوية الكرة التونسية وروحها.

تعليقات
error: المحتوى ملكية فكرية